كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


قوله‏:‏ ‏(‏هذا جدكم‏)‏ بفتح الجيم أي حظكم وصاحب دولتكم الذي تتوقعونه‏.‏

وفي رواية معمر ‏"‏ هذا صاحبكم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف‏)‏ أي ابن مالك بن الأوس بن حارثة ومنازلهم بقباء، وهي على فرسخ من المسجد النبوي بالمدينة، كان نزوله على كلثوم بن الهرم، وقيل‏:‏ كان يومئذ مشركا، وجزم به محمد بن الحسن بن زبالة في ‏"‏ أخبار المدينة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول‏)‏ وهذا هو المعتمد وشذ من قال يوم الجمعة، في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب ‏"‏ قدمها لهلال ربيع الأول ‏"‏ أي أول يوم منه‏.‏

وفي رواية جرير بن حازم عن ابن إسحاق ‏"‏ قدمها لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول ‏"‏ ونحوه عند أبي معشر، لكن قال ليلة الاثنين، ومثله عن ابن البرقي، وثبت كذلك في أواخر صحيح مسلم‏.‏

وفي رواية إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق ‏"‏ قدمها لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ‏"‏ وعند أبي سعيد في ‏"‏ شرف المصطفى ‏"‏ من طريق أبي بكر بن حزم ‏"‏ قدم لثلاث عشرة من ربيع الأول ‏"‏ وهذا يجمع بينه وبين الذي قبله بالحمل على الاختلاف في رؤية الهلال، وعنده من حديث عمر ‏"‏ ثم نزل على بني عمرو بن عوف يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ربيع الأول ‏"‏ كذا فيه ولعله كان فيه ‏"‏ خلتا ‏"‏ ليوافق رواية جرير وابن حازم، وعند الزبير في خبر المدينة عن ابن شهاب ‏"‏ في نصف ربيع الأول ‏"‏ وقيل‏:‏ كان قدومه في سابعه، وجزم ابن حزم بأنه خرج من مكة لثلاث ليال بقين من صفر، وهذا يوافق قول هشام بن الكلبي إنه خرج من الغار ليلة الاثنين أول يوم من ربيع الأول فإن كان محفوظا فلعل قدومه قباء كان يوم الاثنين ثامن ربيع الأول، وإذا ضم إلى قول أنس إنه أقام بقباء أربع عشرة ليلة خرج منه أن دخوله المدينة كان لاثنين وعشرين منه، لكن الكلبي جزم بأنه دخلها لاثنتي عشرة خلت منه فعلى قوله تكون إقامته بقباء أربع ليال فقط وبه جزم ابن حبان فإنه قال‏:‏ ‏"‏ أقام بها الثلاثاء والأربعاء والخميس ‏"‏ يعني وخرج يوم الجمعة، فكأنه لم يعتد بيوم الخروج، وكذا قال موسى بن عقبة إنه أقام فيهم ثلاث ليال فكأنه لم يعتد بيوم الخروج، ولا الدخول، وعن قوم من بني عمرو بن عوف أنه أقام فيهم اثنين وعشرين يوما حكاه الزبير بن بكار، وفي مرسل عروة بن الزبير ما يقرب منه كما يذكر عقب هذا، والأكثر أنه قدم نهارا، ووقع في رواية مسلم ليلا، ويجمع بأن القدوم كان آخر الليل فدخل نهارا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام أبو بكر للناس‏)‏ أي يتلقاهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فطفق‏)‏ أي جعل ‏(‏من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيى أبا بكر‏)‏ أي يسلم عليه، قال ابن التين‏:‏ إنما كانوا يفعلون ذلك بأبي بكر لكثرة تردده إليهم في التجارة إلى الشام فكانوا يعرفونه، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأتها بعد أن كبر‏.‏

قلت‏:‏ ظاهر السياق يقتضي أن الذي يحيي ممن لا يعرف النبي صلى الله عليه وسلم يظنه فلذلك يبدأ بالسلام عليه، ويدل عليه قوله في بقية الحديث ‏"‏ فأقبل أبو بكر يظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ووقع بيان ذلك في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال‏:‏ ‏"‏ وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم يكن رآه يحسبه أبا بكر، حتى إذا أصابته الشمس أقبل أبو بكر بشيء أظله به ‏"‏ ولعبد الرحمن بن عويم في رواية ابن إسحاق ‏"‏ أناخ إلى الظل هو وأبو بكر، والله ما أدري أيهما هو، حتى رأينا أبا بكر ينحاز له عن الظل فعرفناه بذلك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة‏)‏ في حديث أنس الآتي في الباب الذي يليه أنه أقام فيهم أربع عشرة ليلة، وقد ذكرت قبله ما يخالفه، والله أعلم‏.‏

قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب ‏"‏ أقام فيهم ثلاثا ‏"‏ قال وروى ابن شهاب عن مجمع بن حارثة ‏"‏ أنه أقام اثنين وعشرين ليلة ‏"‏ وقال ابن إسحاق‏.‏

أقام فيهم خمسا، وبنو عمرو بن عوف يزعمون أكثر من ذلك‏.‏

قلت‏:‏ ليس أنس من بني عمرو بن عوف، فإنهم من الأوس وأنس من الخزرج، وقد جزم بما ذكرته فهو أولى بالقبول من غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأسس المسجد الذي أسس على التقوى‏)‏ أي مسجد قباء‏.‏

وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب عن عروة قال‏:‏ الذين بني فيهم المسجد الذي أسس على التقوى هم بنو عمرو بن عوف، وكذا في حديث ابن عباس عند ابن عائذ ولفظه ‏"‏ ومكث في بني عمرو بن عوف ثلاث ليال واتخذ مكانه مسجدا فكان يصلي فيه، ثم بناه بنو عمرو بن عوف فهو الذي أسس على التقوى ‏"‏ وروى يونس بن بكير في ‏"‏ زيادات المغازي ‏"‏ عن المسعودي عن الحكم بن عتيبة قال‏:‏ ‏"‏ لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم فنزل بقباء قال عمار بن ياسر‏:‏ ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم بد من أن يجعل له مكانا يستظل به إذا استيقظ ويصلي فيه، فجمع حجارة فبني مسجد قباء، فهو أول مسجد بني ‏"‏ يعني بالمدينة، وهو في التحقيق أول مسجد صلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه بأصحابه جماعة ظاهرا، وأول مسجد بني لجماعة المسلمين عامة، وإن كان قد تقدم بناء غيره من المساجد لكن لخصوص الذي بناها كما تقدم في حديث عائشة في بناء أبي بكر مسجده‏.‏

وروى ابن أبي شيبة عن جابر قال‏:‏ ‏"‏ لقد لبثنا بالمدينة قبل أن يقدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنين نعمر المساجد ونقيم الصلاة ‏"‏ وقد اختلف في المراد بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏لمسجد أسس على التقوى من أول يوم‏)‏ فالجمهور على أن المراد به مسجد قباء هذا وهو ظاهر الآية، وروى مسلم من طريق عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه ‏"‏ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال‏:‏ هو مسجدكم هذا ‏"‏ ولأحمد والترمذي من وجه آخر عن أبي سعيد ‏"‏ اختلف رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى فقال أحدهما‏:‏ هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال الآخر‏:‏ هو مسجد قباء، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك فقال‏:‏ هو هذا، وفي ذلك - يعني مسجد قباء - خير كثير‏"‏، ولأحمد عن سهل بن سند نحوه، وأخرجه من وجه آخر عن سهل بن سعد عن أبي بن كعب مرفوعا‏.‏

قال القرطبي‏:‏ هذا السؤال صدر ممن ظهرت له المساواة بين المسجدين في اشتراكهما في أن كلا منهما بناه النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فأجاب بأن المراد مسجده، وكأن المزية التي اقتضت تعيينه دون مسجد قباء لكون مسجد قباء لم يكن بناؤه بأجر جزم من الله لنبيه، أو كان رأيا رآه بخلاف مسجده، أو كان حصل له أو لأصحابه فيه من الأحوال القلبية ما لم يحصل لغيره، انتهى‏.‏

ويحتمل أن تكون المزية لما اتفق من طول إقامته صلى الله عليه وسلم بمسجد المدينة، بخلاف مسجد قباء فما أقام به إلا أياما قلائل، وكفى بهذا مزية من غير حاجة إلى ما تكلفه القرطبي، والحق أن كلا منهما أسس على التقوى، وقوله تعالى في بقية الآية ‏(‏فيه رجال يحبون أن يتطهروا‏)‏ يؤيد كون المراد مسجد قباء، وعند أبي داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ نزلت ‏(‏فيه رجال يحبون أن يتطهروا‏)‏ في أهل قباء ‏"‏ وعلى هذا فالسر في جوابه صلى الله عليه وسلم بأن المسجد الذي أسس على التقوى مسجده رفع توهم أن ذلك خاص بمسجد قباء، والله أعلم‏.‏

قال الداودي وغيره‏:‏ ليس هذا اختلافا، لأن كلا منهما أسس على التقوى وكذا قال السهيلي وزاد غيره أن قوله تعالى‏:‏ ‏(‏من أول يوم‏)‏ يقتضي أنه مسجد قباء، لأن تأسيسه كان في أول يوم حل النبي صلى الله عليه وسلم بدار الهجرة، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم ركب راحلته‏)‏ وقع عند ابن إسحاق وابن عائذ أنه ركب من قباء يوم الجمعة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فقالوا‏:‏ يا رسول الله هلم إلى العدد والعدد والقوة، انزل بين أظهرنا‏.‏

وعند أبي الأسود عن عروة نحوه وزاد‏:‏ وصاروا يتنازعون زمام ناقته‏.‏

وسمى ممن سأله النزول عندهم تبان بن مالك في بني سالم، وفروة بن عمرو في بنى بياضة، وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وغيرهما في بني ساعدة، وأبا سليط وغيره، في بني عدي، يقول لكل منهم ‏"‏ دعوها فإنها مأمورة ‏"‏ وعند الحاكم من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس ‏"‏ جاءت الأنصار فقالوا إلينا يا رسول الله، فقال‏:‏ دعوا الناقة فإنها مأمورة، فبركت على باب أبي أيوب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة‏)‏ في حديث البراء عن أبي بكر ‏"‏ فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه فقال‏:‏ إني أنزل على أخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك ‏"‏ وعند ابن عائذ عن الوليد بن مسلم وعند سعيد بن منصور كلاهما عن عطاف بن خالد ‏"‏ أنها استناخت به أولا فجاءه ناس فقالوا‏:‏ المنزل يا رسول الله، فقال دعوها، فانبعثت حتى استناخت عند موضع المنبر من المسجد، ثم تحلحلت فنزل عنها فأتاه أبو أيوب فقال‏:‏ إن منزلي أقرب المنازل فأذن لي أن أنقل رحلك، قال‏:‏ نعم، فنقل وأناخ الناقة في منزله ‏"‏ وذكر ابن سعد أن أبا أيوب لما نقل رحل النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ المرء مع رحله ‏"‏ وأن سعد بن زرارة جاء فأخذ ناقته فكانت عنده، قال وهذا أثبت، وذكر أيضا أن مدة إقامته عند أبي أيوب كانت سبعة أشهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان‏)‏ أي موضع المسجد ‏(‏مربدا‏)‏ بكسر الميم وسكون الراء وفتح الموحدة‏:‏ هو الموضع الذي يجفف فيه التمر‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ المربد كل شيء حبست فيه الإبل أو الغنم، وبه سمي مربد البصرة لأنه كان موضع سوق الإبل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لسهيل وسهل‏)‏ زاد ابن عيينة في جامعة عن أبي موسى عن الحسن ‏"‏ وكانا من الأنصار ‏"‏ وعند الزبير بن بكار في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ أنهما أتيا رافع بن عمرو، وعند ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل‏:‏ ‏"‏ لمن هذا‏؟‏ فقال له معاذ بن عفراء‏:‏ هو لسهيل وسهل ابني عمرو يتيمان لي وسأرضيهما منه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في حجر سعد بن زرارة‏)‏ كذا لأبي ذر وحده‏.‏

وفي رواية الباقين ‏"‏ أسند ‏"‏ بزيادة ألف وهو الوجه، كان أسعد من السابقين إلى الإسلام من الأنصار، ويكني أبا أمامة، وأما أخوه سعد فتأخر إسلامه، ووقع في مرسل ابن سيرين عند أبي عبيد في ‏"‏ الغريب ‏"‏ أنهما كانا في حجر معاذ بن عفراء، وحكى الزبير أنهما كانا في حجر أبي أيوب، والأول أثبت، وقد يجمع باشتراكهما أو بانتقال ذلك بعد أسعد إلى من ذكر واحدا بعد واحد، وذكر ابن سعد أن أسعد بن زرارة كان يصلي فيه قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فساومهما‏)‏ في رواية ابن عيينة فكلم عمهما أي الذي كانا في حجره أن يبتاعه منهما فطلبه منهما فقالا ما تصنع به فلم يجد بدا من أن يصدقهما‏.‏

ووقع لأبي ذر عن الكشميهني ‏"‏ فأبى أن يقبله منهما‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى ابتاعه منهما‏)‏ ذكر ابن سعد عن الواقدي عن معمر عن الزهري ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يعطيهما ثمنه‏"‏، قال وقال غير معمر‏:‏ أعطاهما عشرة دنانير، وتقدم في أبواب المساجد من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ يا بني النجار ثامنوني بحائطهم، قالوا لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله ‏"‏ ويأتي مثله في آخر الباب الذي يليه، ولا منافاة بينهما، فيجمع بأنهم لما قالوا لا نطلب ثمنه إلا إلى الله سأل عمن يختص بملكه منهم فعينوا له الغلامين فابتاعه منهما، فحينئذ يحتمل أن يكون الذين قالوا له لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تحملوا عنه للغلامين بالثمن، وعند الزبير أن أبا أيوب أرضاهما عن ثمنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي جعل ‏(‏ينقل منهم اللبن‏)‏ أي الطوب المعمول من الطين الذي لم يحرق‏.‏

وفي رواية عطاف بن خالد عند ابن عائد أنه صلى الله عليه وسلم فيه وهو عريش اثني عشر يوما، ثم بناه وسقفه‏.‏

وعند الزبير في خبر المدينة من حديث أنس أنه بناه أولا بالجريد ثم بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا الحمال‏)‏ بالمهملة المكسورة وتخفيف الميم أي هذا المحمول من اللبن ‏(‏أبر‏)‏ عند الله، أي أبقى ذخرا وأكثر ثوابا وأدوم منفعة وأشد طهارة من حمال خيبر، أي التي يحمل منها التمر والزبيب ونحو ذلك‏.‏

ووقع في بعض النسخ في رواية المستملي ‏"‏ هذا الجمال ‏"‏ بفتح الجيم، وقوله‏:‏ ‏"‏ ربنا ‏"‏ منادي مضاف‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏اللهم إن الأجر أجر الآخرة، فارحم الأنصار والمهاجرة‏)‏ كذا في هذه الرواية، ويأتي في حديث أنس في الباب الذي بعده ‏"‏ اللهم لا خير إلا خير الآخرة، فانصر الأنصار والمهاجرة ‏"‏ وجاء في غزوة الخندق بتغيير آخر من حديث سهل بن سعد، ونقل الكرماني أنه صلى الله عليه وسلم كان يقف على الآخرة والمهاجرة بالتاء محركة فيخرجه عن الوزن ذكره في أوائل كتاب الصلاة ولم يذكر مستنده، والكلام الذي بعد هذا يرد عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي‏)‏ قال الكرماني، يحتمل أن يكون المراد الرجز المذكور، ويحتمل أن يكون شعرا آخر‏.‏

قلت‏:‏ الأول هو المعتمد، ومناسبة الشعر المذكور للحال المذكور واضحة، وفيها إشارة إلى أن الذي ورد في كراهية البناء مختص بما زاد على الحاجة، أو لم يكن في أمر ديني كبناء المسجد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن شهاب‏:‏ ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات‏)‏ زاد ابن عائذ في آخره ‏"‏ التي كان يرتجز بهن وهو ينقل اللبن لبناء المسجد ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ أنكر على الزهري هذا من وجهين، أحدهما أنه رجز وليس بشعر، ولهذا يقال لقائله راجز، ويقال أنشد رجزا، ولا يقال له شاعر ولا أنشد شعرا‏.‏

والوجه الثاني أن العلماء اختلفوا هل ينشد النبي صلى الله عليه وسلم شعرا أم لا‏.‏

وعلى الجواز هل ينشد بيتا واحدا أو يزيد‏؟‏ وقد قيل‏:‏ إن البيت الواحد ليس بشعر، وفيه نظر ا هـ‏.‏

والجواب عن الأول أن الجمهور على أن الرجز من أقسام الشعر إذا كان موزونا، وقد قيل إنه كان صلى الله عليه وسلم إذا قال ذلك لا يطلق القافية بل يقولها متحركة التاء، ولا يثبت ذلك، وسيأتي من حديث سهل بن سعد في غزوة الخندق بلفظ ‏"‏ فاغفر للمهاجرين والأنصار ‏"‏ وهذا ليس بموزون، وعن الثاني بأن الممتنع عنه صلى الله عليه وسلم إنشاؤه لا إنشاده، ولا دليل على منع إنشاده متمثلا‏.‏

وقول الزهري ‏"‏ لم يبلغنا ‏"‏ لا اعتراض عليه فيه، ولو ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أنشد غير ما نقله الزهري، لأنه نفى أن يكون بلغه، ولم يطلق النفي المذكور‏.‏

على أن ابن سعد روى عن عفان عن معتمر بن سليمان عن معمر عن الزهري قال‏:‏ ‏"‏ لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من الشعر قيل قبله أو يروى عن غيره إلا هذا ‏"‏ كذا قال، وقد قال غيره‏:‏ إن الشعر المذكور لعبد الله بن رواحة فكأنه لم يبلغه، وما في الصحيح أصح، وهو قوله‏:‏ ‏"‏ شعر رجل من المسلمين ‏"‏ وفي الحديث جواز قول الشعر وأنواعه خصوصا الرجز في الحرب، والتعاون على سائر الأعمال الشاقة، لما فيه من تحريك الهمم وتشجيع النفوس وتحركها على معالجة الأمور الصعبة، وذكر الزبير من طريق مجمع بن يزيد قال قائل من المسلمين في ذلك‏:‏ لئن قعدنا والنبي يعمل ذاك إذا للعمل المضلل ومن طريق أخرى عن أم سلمة نحوه وزاد‏:‏ قال وقال علي بن أبي طالب‏:‏ لا يستوي من يعمر المساجد يدأب فيها قائما وقاعدا ومن يرى عن التراب حائدا وسيأتي كيفية نزوله على أبي أيوب إلى أن أكمل المسجد في حديث أنس في هذا الباب إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخرج المصنف هذا الحديث بطوله في ‏"‏ التاريخ الصغير ‏"‏ بهذا السند فزاد بعد قوله هذه الأبيات ‏"‏ وعن ابن شهاب قال‏:‏ كان بين ليلة العقبة - يعني الأخيرة - وبين مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث أشهر أو قريب منها‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ هي ذو الحجة والمحرم وصفر، لكن كان مضي من ذي الحجة عشرة أيام، ودخل المدينة بعد أن استهل ربيع الأول فمهما كان الواقع أنه اليوم الذي دخل فيه من الشهر يعرف منه القدر على التحرير، فقد يكون ثلاثة سواء وقد ينقص وقد يزيد، لأن أقل ما قيل إنه دخل في اليوم الأول منه وأكثر ما قيل إنه دخل الثاني عشر منه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ وَفَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا صَنَعْتُ سُفْرَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ حِينَ أَرَادَا الْمَدِينَةَ فَقُلْتُ لِأَبِي مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبِطُهُ إِلَّا نِطَاقِي قَالَ فَشُقِّيهِ فَفَعَلْتُ فَسُمِّيتُ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَسْمَاءُ ذَاتَ النِّطَاقِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو عروة، وفاطمة هي امرأته بنت المنذر بن الزبير، وأسماء جدتهما جميعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلت لأبي‏)‏ أي قالت لأبي بكر الصديق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أربطه‏)‏ أي المتاع الذي في السفرة أو رأس السفرة، أو ذكرت باعتبار الظرف لأنه مذكر، ويستفاد من هذا أن الذي أمرها بشق نطاقها لتربط به السفرة هو أبوها، وتقدم تفسير النطاق في حديث عائشة قبل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس أسماء ذات النطاق‏)‏ وصله في تفسير براءة في أثناء حديث، وسيأتي إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ تَبِعَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ قَالَ ادْعُ اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكَ فَدَعَا لَهُ قَالَ فَعَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِرَاعٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذْتُ قَدَحًا فَحَلَبْتُ فِيهِ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ فَأَتَيْتُهُ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ

الشرح‏:‏

حديث البراء في قصة الهجرة، أورده مختصرا، وقد تقدم مطولا في علامات النبوة وفي مناقب أبي بكر مع شرحه، وذكر هنا أوله عن البراء، وإنما هو عنده عن أبي بكر كما تقدم بيانه، وفي آخر هذا الحديث هنا ما يشير إلى ذلك، ثم أعاده المصنف في هذا الباب، كما سيأتي بعد أبواب من وجه آخر عن البراء أتم مما هنا كما سأنبه عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ تَابَعَهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا هَاجَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبْلَى

الشرح‏:‏

حديث أسماء بنت أبي بكر أنها حملت بعبد الله بن الزبير يعني بمكة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنا متم‏)‏ أي قد أتممت مدة الحمل الغالبة وهي تسعة أشهر، ويطلق ‏"‏ متم ‏"‏ أيضا على من ولدت لتمام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنزلت بقباء فولدته بقباء‏)‏ هذا يشعر بأنها وصلت إلى المدينة قبل أن يتحول النبي صلى الله عليه وسلم من قباء، وليس كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي المدينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم تفل‏)‏ بمثناة ثم فاء تقدم بيانه في أبواب المساجد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم حنكه‏)‏ أي وضع في فيه التمرة، ودلك حنكه بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبرك عليه‏)‏ أي قال بارك الله فيه، أو اللهم بارك فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان أول مولود ولد في الإسلام‏)‏ أي بالمدينة من المهاجرين، فأما من ولد بغير المدينة من المهاجرين فقيل عبد الله بن جعفر بالحبشة، وأما من الأنصار بالمدينة فكان أول مولود ولد لهم بعد الهجرة مسلمة بن مخلد كما رواه ابن أبي شيبة، وقيل‏:‏ النعمان بن بشير‏.‏

وفي الحديث أن مولد عبد الله بن الزبير كان في السنة الأولى وهو المعتمد، بخلاف ما جزم به الواقدي ومن تبعه بأنه ولد في السنة الثانية بعد عشرين شهرا من الهجرة، ووقع عند الإسماعيلي من الزيادة من طريق عبد الله بن الرومي عن أبي أسامة بعد قوله في الإسلام‏:‏ ‏"‏ ففرح المسلمون فرحا شديدا، لأن اليهود كانوا يقولون‏:‏ سحرناهم حتى لا يولد لهم ‏"‏ وأخرج الواقدي ذلك بسند له إلى سهل بن أبي حثمة، وجاء عن أبي الأسود عن عروة نحوه، ويرده أن هجرة أسماء وعائشة وغيرهما من آل الصديق كانت بعد استقرار النبي بالمدينة، فالمسافة قريبة جدا لا تحتمل تأخر عشرين شهرا، بل ولا عشرة أشهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه خالد بن مخلد‏)‏ وصله الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي - شيبة عن خالد بن مخلد بهذا السند ولفظه ‏"‏ إنها هاجرت وهي حبلى بعبد الله، فوضعته بقباء فلم ترضعه حتى أتت به النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وزاد في آخره ‏"‏ ثم صلى عليه - أي دعا له - وسماه عبد الله‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمْرَةً فَلَاكَهَا ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي فِيهِ فَأَوَّلُ مَا دَخَلَ بَطْنَهُ رِيقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في المعنى، هو محمول على أنه عن عروة عن أمه أسماء وعن خالته عائشة، فقد أحرجه المصنف من رواية أبي أسامة عن هشام على الوجهين كما ترى‏.‏

وفي رواية أسماء زيادة تختص بها، وقد ذكر المصنف لحديث أسماء متابعا وهي الرواية المعلقة التي فرغنا منها، وذكر أبو نعيم لحديث عائشة متابعا من رواية عبد الله بن محمد بن يحيى عن هشام‏.‏

وأخرج مسلم من طريق أبي خالد عن هشام مختصرا نحوه‏.‏

وأخرج مسلم من طريق شعيب بن إسحاق عن هشام ما يقتضي أنه عند عروة عن أمه وخالته ولفظه عن هشام ‏"‏ حدثني عروة وفاطمة بنت المنذر قالا‏:‏ خرجت أسماء حين هاجرت وهي حبلى بعبد الله بن الزبير، قالت‏:‏ فقدمت قباء فنفست به، ثم خرجت فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنكه، ثم دعا بتمرة، قالت عائشة فمكثنا ساعة نلتمسها قبل أن نجدها فمضغها ‏"‏ الحديث، فهذا الحديث فيه البيان أنه عند عروة عنهما جميعا، وزاد في آخر هذا الطريق ‏"‏ وسماه عبد الله، ثم جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمان ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره بذلك الزبير، فتبسم وبايعه‏"‏‏.‏

وقد ذكر ابن إسحاق أ ن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة بعث زيد بن حارثة فأحضر زوجته سودة بنت زمعة وبنتيه فاطمة وأم كلثوم وأم أيمن زوج زيد بن حارثة وابنها أسامة، وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر ومعه أمه أم رومان وأختاه عائشة وأسماء، فقدموا والنبي صلى الله عليه وسلم يبني مسجده ‏"‏ ومجموع هذا مع قولها ‏"‏ فولدته بقباء ‏"‏ يدل على أن عبد الله بن الزبير ولد في السنة الأولى من الهجرة كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتوا به‏)‏ ‏.‏

يؤخذ من الذي قبله أن أمه هي التي أتت به، ويحتمل أن يكون منها غيرها كزوجها أو أختها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلاكها‏)‏ أي مضغها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أدخلها في فيه‏)‏ قال ابن التين‏:‏ ظاهره أن اللوك كان قبل أن يدخلها في فيه، والذي عند أهل اللغة أن اللوك في الفم‏.‏

قلت‏:‏ وهو فهم عجيب، فإن الضمير في قوله‏:‏ ‏"‏ في فيه ‏"‏ يعود على ابن الزبير أي لاكها النبي صلى الله عليه وسلم في فمه ثم أدخلها في في ابن الزبير، وهو واضح لمن تأملها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ وَنَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَابٌّ لَا يُعْرَفُ قَالَ فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ فَيَقُولُ هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ قَالَ فَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيْرِ فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا فَالْتَفَتَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ فَصَرَعَهُ الْفَرَسُ ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مُرْنِي بِمَا شِئْتَ قَالَ فَقِفْ مَكَانَكَ لَا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا قَالَ فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَانِبَ الْحَرَّةِ ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الْأَنْصَارِ فَجَاءُوا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا وَقَالُوا ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَحَفُّوا دُونَهُمَا بِالسِّلَاحِ فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشْرَفُوا يَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ جَانِبَ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ فِي نَخْلٍ لِأَهْلِهِ يَخْتَرِفُ لَهُمْ فَعَجِلَ أَنْ يَضَعَ الَّذِي يَخْتَرِفُ لَهُمْ فِيهَا فَجَاءَ وَهِيَ مَعَهُ فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذِهِ دَارِي وَهَذَا بَابِي قَالَ فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا قَالَ قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ وَيْلَكُمْ اتَّقُوا اللَّهَ فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ فَأَسْلِمُوا قَالُوا مَا نَعْلَمُهُ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ قَالَ فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَالُوا ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ قَالُوا حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ قَالُوا حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ قَالُوا حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ قَالَ يَا ابْنَ سَلَامٍ اخْرُجْ عَلَيْهِمْ فَخَرَجَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ اتَّقُوا اللَّهَ فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ فَقَالُوا كَذَبْتَ فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني محمد‏)‏ هو ابن سلام‏.‏

وقال أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ أظنه أنه محمد بن المثني أبو موسى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الصمد‏)‏ هو ابن عبد الوارث بن سعيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مردف أبا بكر‏)‏ قال الداودي‏:‏ يحتمل أنه مرتدف خلفه على راحلته، ويحتمل أن يكون على راحلة أخرى، قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏بألف من الملائكة مردفين‏)‏ أي يتلو بعضهم بعضا، ورجح ابن التين الأول وقال‏:‏ لا يصح الثاني لأنه يلزم منه أن يمشي أبو بكر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قلت‏:‏ إنما يلزم ذلك لو كان الخبر جاء بالعكس كأن يقول‏:‏ والنبي صلى الله عليه وسلم مرتدف خلف أبي بكر فأما ولفظه ‏"‏ وهو مردف أبا بكر ‏"‏ فلا، وسيأتي في الباب الذي بعده من وجه آخر عن أنس ‏"‏ فكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو بكر شيخ‏)‏ يريد أنه قد شاب، وقوله‏:‏ ‏"‏ يعرف ‏"‏ أي لأنه كان يمر على أهل المدينة في سفر التجارة، بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم في الأمرين فإنه كان بعيد العهد بالسفر من مكة، ولم يشب، وإلا ففي نفس الأمر كان هو عليه الصلاة والسلام أسن من أبي بكر، وسيأتي في هذا الباب من حديث أنس أنه لم يكن في الذين هاجروا أشمط غير أبي بكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونبي الله شاب لا يعرف‏)‏ ظاهره أن أبا بكر كان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم وليس كذلك، وقد ذكر أبو عمر من رواية حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر‏:‏ أيما أسن أنا أو أنت‏؟‏ قال أنت أكرم يا رسول الله مني وأكبر، وأنا أسن منك ‏"‏ قال أبو عمر‏:‏ هذا مرسل، ولا أظنه إلا وهما قلت‏:‏ وهو كما ظن، وإنما يعرف هذا للعباس، وأما أبو بكر فثبت في صحيح مسلم عن معاوية أنه عاش ثلاثا وستين سنة، وكان قد عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم سنتين وأشهرا فيلزم على الصحيح في سن أبي بكر أن يكون أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من سنتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يهديني السبيل‏)‏ بين سبب ذلك ابن سند في رواية له ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر‏:‏ أله الناس عني، فكان إذا سئل من أنت قال‏:‏ باغي حاجة، فإذا قيل‏:‏ من هذا معك‏؟‏ قال‏:‏ هاد يهديني‏"‏، وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني ‏"‏ وكان أبو بكر رجلا معروفا في الناس فإذا لقيه لاق يقول لأبي بكر‏:‏ من هذا معك‏؟‏ فيقول‏:‏ هاد يهديني ‏"‏ يريد الهداية في الدين ويحسبه الآخر دليلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال يا رسول الله هذا فارس‏)‏ وهو سراقة، وقد تقدم شرح قصته في الحديث الحادي عشر ووقع للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في سفرهم ذلك قضايا‏:‏ منها نزولهم بخيمتي أم معبد، وقصتها أخرجها ابن خزيمة والحاكم مطولة‏.‏

وأخرج البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بكر الصديق شبيها بأصل قصتها في لبن الشاة المهزولة دون ما فيها من صفته صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يسمها في هذه الرواية ولا نسبها، فاحتمل التعدد‏.‏

ومر بعبد يرعى غنما، وقد تقدم في حديث البراء عن أبي بكر، وروى أبو سعيد في ‏"‏ شرف المصطفى ‏"‏ من طريق إياس بن مالك بن الأوس الأسلمي قال‏:‏ ‏"‏ لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مروا بإبل لنا بالجحفة، فقالا‏:‏ لمن هذه‏؟‏ قال‏:‏ لرجل من أسلم ‏"‏ فالتقت إلى أبي بكر فقال‏:‏ سلمت، قال‏:‏ ما اسمك‏؟‏ قال‏:‏ مسعود، فالتفت إلى أبي بكر فقال‏:‏ سعدت ‏"‏ ووصله ابن السكن والطبراني عن إياس عن أبيه عن جده أوس بن عبد الله بن حجر فذكر نحوه مطولا وفيه‏:‏ ‏"‏ أن أوسا أعطاهما فحل إبله، وأرسل معهما غلامه مسعودا، وأمره أن لا يفارقهما حتى يصلا المدينة ‏"‏ وتحديث أنس بقصة سراقة من مراسيل الصحابة، ولعله حملها عن أبي بكر الصديق، فقد تقدم في مناقبه أن أنسا حدث عنه بطرف الغار وهو قوله‏:‏ ‏"‏ قلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا ‏"‏ الحديث‏.‏

وقوله فيه‏:‏ ‏"‏ فصرعه عن فرسه ثم قامت تحمحم ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ فيه نظر، لأن الفرس إن كانت أنثى فلا يجوز ‏"‏ فصرعه ‏"‏ وإن كان ذكرا فلا يقال ‏"‏ ثم قامت‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وإنكاره من العجائب، والجواب أنه ذكر باعتبار لفظ الفرس وأنث باعتبار ما في نفس الأمر من أنها كانت أنثي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم بعث إلى الأنصار فجاءوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فسلموا عليهما وقالوا‏:‏ اركبا آمنين مطاعين، فركبا‏)‏ طوى في هذا الحديث قصة إقامته عليه الصلاة والسلام هنا، وقد تقدم في بيانه في الحديث الثالث عشر، وتقدير الكلام‏:‏ فنزل جانب الحرة فأقام بقباء المدة التي أقامها وبنى بها المسجد ثم بعث إلخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى نزل جانب دار أبي أيوب‏)‏ تقدم بيانه مستوفى في الحديث الثالث عشر‏.‏

وقال البخاري في ‏"‏ التاريخ الصغير ‏"‏ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة ‏"‏ عن ثابت عن أنس قال‏:‏ إني لأسعى مع الغلمان إذ قالوا‏:‏ جاء محمد، فننطلق فلا نرى شيئا، حتى أقبل وصاحبه، فكمنا في بعض خرب المدينة وبعثنا رجلا من أهل البادية يؤذن بهما، فاستقبله زهاء خمسمائة من الأنصار فقالوا‏:‏ ‏"‏ انطلقا آمنين مطاعين ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنه ليحدث أهله‏)‏ الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذ سمع به عبد الله بن سلام‏)‏ بالتخفيف ابن الحويرث الإسرائيلي يكنى أبا يوسف يقال كان اسمه الحصين فسمي عبد الله في الإسلام، وهو من حلفاء بني عوف بن الخزرج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يخترف لهم‏)‏ بالخاء المعجمة والفاء أي يجتنى من الثمار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاء وهي معه‏)‏ أي الثمرة التي اجتناها، وفي بعضها ‏"‏ وهو ‏"‏ أي الذي اجتناه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله‏)‏ وقع عند أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم من طريق زرارة بن أوفى ‏"‏ عن عبد الله بن سلام قال‏:‏ لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ‏"‏ الحديث، قال العماد بن كثير‏:‏ ظاهر هذا السياق يعني سياق احمد لحديث عبد الله بن سلام ولفظه ‏"‏ لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس لقدومه فكنت فيمن انجفل ‏"‏ أنه اجتمع به لما قدم قباء، وظاهر حديث أنس أنه اجتمع به بعد أن نزل بدار أبي أيوب، قال‏:‏ فيحمل على أنه اجتمع به مرتين‏.‏

قلت‏:‏ ليس في الأول تعيين قباء، فالظاهر الاتحاد وحمل المدينة هنا على داخلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أي بيوت أهلنا أقرب‏)‏ تقدم بيان ذلك في أواخر الحديث الثالث عشر، وأطلق عليهم أهله لقرابة ما بينهم من النساء، لأن منهم والدة عبد المطلب جده وهي سلمى بنت عوف من بني مالك بن النجار، ولهذا جاء في حديث البراء أنه صلى الله عليه وسلم نزل على أخواله أو أجداده من بني النجار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهيئ لنا مقيلا‏)‏ أي مكانا تقع فيه القيلولة ‏(‏قال قوما‏)‏ فيه حذف تقديره‏:‏ فذهب فهيأ، وقد وقع صريحا في رواية الحاكم وأبي سعيد قال‏:‏ ‏"‏ فانطلق فهيأ لهما مقيلا ثم جاء ‏"‏ وفي حديث أبي أيوب عند الحاكم وغيره ‏"‏ أنه أنزل النبي صلى الله عليه وسلم في السفل ونزل هو وأهله في العلو، ثم أشفق من ذلك، فلم يزل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم حتى تحول إلى العلو ونزل أبو أيوب إلى السفل ‏"‏ ونحوه في طريق عبد العزير بن صهيب عن أنس عند أبي سعيد في ‏"‏ شرف المصطفى ‏"‏ وأفاد ابن سعد أنه أقام بمنزل أبي أيوب سبعة أشهر حتى بني بيوته، وأبو أيوب هو خالد بن زيد بن كليب من بني النجار، وبنو النجار من الخزرج بن حارثة، ويقال إن تبعا لما غزا الحجاز واجتاز يثرب خرج إليه أربعمائة حبر فأخبروه بما يجب من تعظيم البيت، وأن نبيا سيبعث يكون مسكنه يثرب، فأكرمهم وعظم البيت بأن كساه، وهو أول من كساه، وكتب كتابا وسلمه لرجل من أولئك الأحبار، وأوصاه أن يسلمه للنبي صلى الله عليه وسلم إن أدركه، فيقال إن أبا أيوب من ذرية ذلك الرجل، حكاه ابن هشام في ‏"‏ التيجان ‏"‏ وأورده ابن عساكر في ترجمة تبع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي إلى منزل أبي أيوب ‏(‏جاء عبد الله بن سلام‏)‏ أي إليه ‏(‏فقال أشهد أنك رسول الله‏)‏ زاد في رواية حميد عن أنس كما سيأتي قريبا قبل كتاب المغازي أنه سأله عن أشياء، فلما أعلمه بها أسلم‏.‏

ولفظه ‏"‏ فأتاه يسأله عن أشياء فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي‏:‏ ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام يأكله أهل الجنة، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه‏؟‏ فلما ذكر له جواب مسائله مال‏:‏ أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏‏.‏

ثم قال‏:‏ إن اليهود قوم بهت ‏"‏ الحديث، وعند البيهقي من طريق عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن يحيى بن عبد الله عن رجل من آل عبد الله بن سلام عن عبد الله بن سلام قال‏:‏ سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت صفته واسمه، فكنت مسرا لذلك حتى قدم المدينة، فسمعت به وأنا على رأس نخلة، فكبرت، فقالت لي عمتي خالدة بنت الحارث‏:‏ لو كنت سمعت بموسى ما زدت، فقلت‏:‏ والله هو أخو موسى، بعث بما بعث به، فقالت لي‏:‏ يا ابن أخي هو الذي كنا نخبر أنه سيبعث مع نفس الساعة، قلت نعم‏.‏

قالت فذاك إذا، ثم خرجت إليه فأسلمت، ثم جئت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ إن اليهود قوم بهت ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولقد علمت يهود أني سيدهم‏)‏ في الرواية الآتية قريبا‏:‏ ‏"‏ قال يا رسول الله إن اليهود قوم بهت ‏"‏ وسيأتي شرح ذلك ثم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالوا في ما ليس في‏)‏ في الرواية الآتية عند أبي نعيم ‏"‏ بهتوني عندك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي إلى اليهود فجاءوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدخلوا عليه‏)‏ أي بعد أن اختبأ لهم عبد الله بن سلام كما سيأتي بيانه هناك‏.‏

وفي رواية يحيى بن عبد الله المذكور ‏"‏ فأدخلني في بعض بيوتك ثم سلهم عني، فإنهم إن علموا بذلك بهتوني وعابوني‏.‏

قال فأدخلني بعض بيوته‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا‏)‏ في الرواية الآتية ‏"‏ خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا ‏"‏ وفي ترجمة آدم ‏"‏ أخيرنا ‏"‏ بصيغة أفعل‏.‏

وفي رواية يحيى بن عبد الله ‏"‏ سيدنا، وأخيرنا، وعالمنا ‏"‏ ولعلهم قالوا جميع ذلك أو بعضه بالمعنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالوا شرنا‏)‏ وفي رواية يحيى بن عبد الله ‏"‏ فقالوا كذبت ثم وقعوا في‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالوا كذبت فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية يحيى بن عبد الله ‏"‏ فقلت يا رسول الله ألم أخبرك أنهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور ‏"‏ وفي الرواية الآتية ‏"‏ فنقصوه فقال‏:‏ هذا ما كنت أخاف يا رسول الله‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ فِي أَرْبَعَةٍ وَفَرَضَ لِابْنِ عُمَرَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَخَمْسَ مِائَةٍ فَقِيلَ لَهُ هُوَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَقَالَ إِنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبَوَاهُ يَقُولُ لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا هشام‏)‏ هو ابن يوسف الصنعاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمر كان فرض للمهاجرين‏)‏ هذا صورته منقطع، لأن نافعا لم يلحق عمر، لكن سياق الحديث يشعر بأن نافعا حمله عن ابن عمر‏.‏

ووقع في رواية غير أبي ذر هنا ‏"‏ عن نافع يعني عن ابن عمر‏"‏، ولعلها من إصلاح بعض الرواة، واغتر بها شيخنا ابن الملقن فأنكر على ابن التين قوله أن الحديث مرسل وقال‏:‏ لعل نسخته التي وقعت له ليس فيها ابن عمر، وقد روى الدراوردي عن عبيد الله بن عمر فقال‏:‏ ‏"‏ عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ فرض عمر لأسامة أكثر مما فرض لي، فذكر قصة أخرى شبيهة بهذه أخرجها أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المهاجرين الأولين‏)‏ هم الذين صلوا للقبلتين أو شهدوا بدرا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أربعة آلاف في أربعة‏)‏ كذا للأكثر، وسقطت لفظة ‏"‏ في ‏"‏ من رواية النسفي وهو الوجه أي لكل واحد أربعة آلاف، ولعلها بمعنى اللام والمراد إثبات عدد المهاجرين المذكورين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنما هاجر به أبواه، يقول ليس هو كمن هاجر بنفسه‏)‏ وفي رواية الدراوردي المذكورة ‏"‏ قال عمر لابن عمر‏:‏ إنما هاجر بك أبواك ‏"‏ والمراد أنه كان حينئذ في كنف أبيه، فليس هو كمن هاجر بنفسه، وكان لابن عمر حين الهجرة إحدى عشرة سنة، ووهم من قال اثنتا عشرة وكذا ثلاث عشرة، لما ثبت في الصحيحين أنه عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة، وكانت أحد في شوال سنة ثلاث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ خَبَّابٍ قَالَ هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا خَبَّابٌ قَالَ هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ وَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا نُكَفِّنُهُ فِيهِ إِلَّا نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ فَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ بِهَا وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ إِذْخِرٍ وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا

الشرح‏:‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أعاد المصنف هنا حديث خباب بعد أن ذكره في أوائل الباب، فأورده من وجهين ساقه على لفظ الرواية الثانية وهي رواية مسدد، وسأذكر شرحه في غزوة أحد إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هَلْ تَدْرِي مَا قَالَ أَبِي لِأَبِيكَ قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ فَإِنَّ أَبِي قَالَ لِأَبِيكَ يَا أَبَا مُوسَى هَلْ يَسُرُّكَ إِسْلَامُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِجْرَتُنَا مَعَهُ وَجِهَادُنَا مَعَهُ وَعَمَلُنَا كُلُّهُ مَعَهُ بَرَدَ لَنَا وَأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدَهُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ فَقَالَ أَبِي لَا وَاللَّهِ قَدْ جَاهَدْنَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّيْنَا وَصُمْنَا وَعَمِلْنَا خَيْرًا كَثِيرًا وَأَسْلَمَ عَلَى أَيْدِينَا بَشَرٌ كَثِيرٌ وَإِنَّا لَنَرْجُو ذَلِكَ فَقَالَ أَبِي لَكِنِّي أَنَا وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ بَرَدَ لَنَا وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ فَقُلْتُ إِنَّ أَبَاكَ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَبِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال لي عبد الله بن عمر‏:‏ هل تدري‏)‏ وقعت في هذا الحديث زيادة من رواية سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏ صليت إلى جنب ابن عمر، فسمعته حين سجد يقول ‏"‏ فذكر ذكرا وفيه ‏"‏ ما صليت صلاة منذ أسلمت إلا وأنا أرجو أن تكون كفارة‏.‏

وقال لأبي بردة علمت أن أبي ‏"‏ فذكر حديث الباب رويناه في الجزء السادس من ‏"‏ فوائد أبي محمد بن صاعد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏برد‏)‏ بفتح الموحدة والراء ‏(‏لنا‏)‏ أي ثبت لنا ودام، يقال برد لي على الغريم حق أي ثبت‏.‏

وفي رواية سعيد بن أبي بردة ‏"‏ خلص ‏"‏ بدل برد وقوله‏:‏ ‏"‏ كفافا ‏"‏ أي سواء بسواء؛ والمراد لا موجبا ثوابا ولا عقابا‏.‏

وفي رواية سعيد بن أبي بردة ‏"‏ لا لك ولا عليك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبي‏:‏ لا والله‏)‏ كذا وقع فيه، والصواب ‏"‏ قال أبوك ‏"‏ لأن ابن عمر هو الذي يحكي لأبي بردة ما دار بين عمر وأبي موسى، وهذا الكلام الأخير كلام أبي موسى، وقد وقع في رواية النسفي على الصواب ولفظه ‏"‏ فقال أبوك‏:‏ لا والله إلخ ‏"‏ ووقع عند القابسي والمستملي ‏"‏ فقال إي والله ‏"‏ بكسر الهمزة بعدها تحتانية ساكنة بمعني نعم معها القسم مثل قوله‏:‏ ‏(‏قل أي وربي‏)‏ وعند عبدوس ‏"‏ إني والله ‏"‏ بنون ثقيلة بعد الهمزة المكسورة ثم تحتانية، وكله تصحيف إلا رواية النسفي، ووقع في رواية داود بن أبي هند عن أبي بردة في ‏"‏ تاريخ الحاكم ‏"‏ هذا الحديث ‏"‏ قال أبو موسى‏:‏ لا، قال لم‏؟‏ قال‏:‏ لأني قدمت على قوم جهال فعلمتهم القرآن والسنة فأرجو بذلك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال أبي لكني والذي نفسي بيده‏)‏ هذا كلام عمر رضي الله عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلت‏)‏ القائل هو أبو بردة، وخاطب بذلك ابن عمر فأراد أن عمر خير من أبي موسى، وأراد من الحيثية المذكورة وإلا فمن المقرر أن عمر أفضل من أبي موسى عند جميع الطوائف، لكن لا يمتنع أن يفوق بعض المفضولين بخصلة لا تستلزم الأفضلية المطلقة، ومع هذا فعمر في هذه الخصلة المذكورة أيضا أفضل من أبي موسى، لأن مقام الخوف أفضل من مقام الرجاء، فالعلم محيط بأن الآدمي لا يخلو عن تقصير ما في كل ما يريد من الخير، وإنما قال عمر ذلك هضما لنفسه، وإلا فمقامه في الفضائل والكلمات أشهر من أن يذكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خير من أبي‏)‏ في رواية سعيد بن أبي بردة ‏"‏ أفقه من أبي‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا قِيلَ لَهُ هَاجَرَ قَبْلَ أَبِيهِ يَغْضَبُ قَالَ وَقَدِمْتُ أَنَا وَعُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْنَاهُ قَائِلًا فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَنْزِلِ فَأَرْسَلَنِي عُمَرُ وَقَالَ اذْهَبْ فَانْظُرْ هَلْ اسْتَيْقَظَ فَأَتَيْتُهُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَبَايَعْتُهُ ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ قَدْ اسْتَيْقَظَ فَانْطَلَقْنَا إِلَيْهِ نُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ فَبَايَعَهُ ثُمَّ بَايَعْتُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني محمد بن الصباح أو بلغني عنه‏)‏ أما محمد فهو محمد بن الصباح الدولابي البزاز بمعجمتين نزيل بغداد، متفق على توثيقه‏.‏

وقد روى عنه البخاري في الصلاة وفي البيوع جازما بغير واسطة وأما من بلغ البخاري عنه فيحتمل أن يكون هو عباد بن الوليد، فقد أخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق عن محمد بن الصباح بلفظه، وعباد المذكور يكنى أبا بدر، وهو غبري يضم المعجمة وفتح الموحدة الخفيفة، روى عنه ابن ماجه وابن أبي حاتم وقال صدوق، ومات قبل سنة ستين أو بعدها وإسماعيل شيخ محمد فيه هو ابن إبراهيم المعروف بابن علية، وعاصم هو ابن سليمان الأحول، وأبو عثمان هو النهدي، والإسناد كله بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا قيل له هاجر قبل أبيه يغضب‏)‏ يعني أنه لم يهاجر إلا صحبة أبيه كما تقدم‏.‏

وأخرج الطبراني من وجه آخر عن ابن عمر أنه كان يقول‏:‏ ‏"‏ لعن الله من يزعم أنني هاجرت قبل أبي، إنما قدمني في ثقله ‏"‏ وهذا في إسناد ضعف، والجواب الذي أجاب به في حديث الباب أصح منه، وقد استشكل ذكر أبويه، فإن أمه زينب بنت مظعون كانت بمكة فيما ذكره ابن سعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قدمت أنا وعمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ يعني عند البيعة، ولعلها بيعة الرضوان، وزعم الداودي أنها بيعة صدرت حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وعندي في ذلك بعد، لأن ابن عمر لم يكن في سن من يبايع، وقد عرض على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بثلاث سنين يوم أحد فلم يجزه، فيحتمل أن تكون البيعة حينئذ على غير القتال، وإنما ذكرها ابن عمر ليبين سبب وهم من قال إنه هاجر قبل أبيه، وإنما الذي وقع له أنه بايع قبل أبيه، فلما كانت بيعته قبل بيعة أبيه توهم بعض الناس أن هجرته كانت قبل هجرة أبيه، وليس كذلك، وإنما بادر إلى البيعة قبل حرصا على تحصيل الخير، ولأن تأخيره لذلك لا ينفع عمر، أشار إلى ذلك الداودي، وعارضه ابن التين بأن مثله يرد في الهجرة التي أنكر كونها كانت سابقة، والجواب أنه أنكر وقوع ذلك لا كراهيته لو وقع، أو الفرق أن زمن البيعة يسير جدا بخلاف زمن الهجرة، وأيضا فلعل البيعة لم تكن عامة بخلاف الهجرة، فإن ابن عمر خشي أن تفوته البيعة فبادر إلى تحصيلها، ‏.‏

ثم أسرع إلى أبيه فأخبره فسارع إلى البيعة فبايع، ثم أعاد ابن عمر البيعة ثاني مرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهرول‏)‏ الهرولة ضرب من السير بين المشي على مهل والعدو‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يُحَدِّثُ قَالَ ابْتَاعَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ قَالَ فَسَأَلَهُ عَازِبٌ عَنْ مَسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُخِذَ عَلَيْنَا بِالرَّصَدِ فَخَرَجْنَا لَيْلًا فَأَحْثَثْنَا لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ ثُمَّ رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ فَأَتَيْنَاهَا وَلَهَا شَيْءٌ مِنْ ظِلٍّ قَالَ فَفَرَشْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْوَةً مَعِي ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ قَدْ أَقْبَلَ فِي غُنَيْمَةٍ يُرِيدُ مِنْ الصَّخْرَةِ مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا فَسَأَلْتُهُ لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ فَقَالَ أَنَا لِفُلَانٍ فَقُلْتُ لَهُ هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ لَهُ هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ قَالَ نَعَمْ فَأَخَذَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ فَقُلْتُ لَهُ انْفُضْ الضَّرْعَ قَالَ فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ وَمَعِي إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ عَلَيْهَا خِرْقَةٌ قَدْ رَوَّأْتُهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَضِيتُ ثُمَّ ارْتَحَلْنَا وَالطَّلَبُ فِي إِثْرِنَا قَالَ الْبَرَاءُ فَدَخَلْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَهْلِهِ فَإِذَا عَائِشَةُ ابْنَتُهُ مُضْطَجِعَةٌ قَدْ أَصَابَتْهَا حُمَّى فَرَأَيْتُ أَبَاهَا فَقَبَّلَ خَدَّهَا وَقَالَ كَيْفَ أَنْتِ يَا بُنَيَّةُ

الشرح‏:‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ذكر المصنف هنا حديث البراء عن أبي بكر في قصة الهجرة، وقد تقدم التنبيه عليه في أوائل هذا الباب وساقه هنا أتم، وقد تقدم شرحه في علامات النبوة وفي مناقب أبي بكر، وبقيته في أوائل الباب في حديث سراقة‏.‏

وقوله هنا‏:‏ ‏"‏ فأحيينا ليلتنا ‏"‏ بتحتانيتين من الإحياء، ولبعضهم بمثناة ثم مثلثة من الحث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ففرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروة‏)‏ فسرها صاحب ا النهاية بأنها الأرض اليابسة، وقيل‏:‏ التبن اليابس، قال وقيل أراد بالفروة اللباس المعروفة‏.‏

قلت‏:‏ وهذا هو الراجح بل هو الظاهر من قوله‏:‏ ‏"‏ فروة معي ‏"‏ وقوله هنا‏:‏ ‏"‏ قد روأتها ‏"‏ أي تأتيت بها حتى صلحت، تقول روأت في الأمر إذا نظرت فيه ولم تعجل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال البراء‏:‏ فدخلت مع أبي بكر على أهله فإذا بنته عائشة مضطجعة قد أصابتها حمى، فرأيت أباها يقبل خدها وقال كيف أنت يا بنية‏)‏ هذا القدر من الحديث لم يذكره المصنف إلا في هذا الموضع، وسأشير إليه في الباب الذي يليه، وكان دخول البراء على أهل أبي بكر قبل أن ينزل الحجاب قطعا، وأيضا فكان حينئذ دون البلوغ وكذلك عائشة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ وَسَّاجٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَنَسٍ خَادِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ فِي أَصْحَابِهِ أَشْمَطُ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ فَغَلَفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَقَالَ دُحَيْمٌ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ وَسَّاجٍ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَكَانَ أَسَنَّ أَصْحَابِهِ أَبُو بَكْرٍ فَغَلَفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ حَتَّى قَنَأَ لَوْنُهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن حمير‏)‏ بكسر المهملة وسكون الميم وفتح التحتانية، ووقع في رواية القابسي عن أبي زيد بمعجمة مصغر وهو تصحيف، وشيخه إبراهيم بن أبي علية قد سمع عن أنس، وحدث عنه هنا بواسطة، واسم أبيه يقظان ضد النائم، وعقبة بن وساج بفتح الواو وتشديد المهملة وآخره جيم، وأبو عبيد في الإسناد الثاني هو حيي بضم المهملة وفتح التحتانية بعدها أخرى ثقيلة ويقال حي بلفظ ضد ميت، وكان حاجب سليمان بن عبد الملك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فغلفها‏)‏ بالمعجمة أي خضبها، والمراد اللحية وإن لم يقع لها ذكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والكتم‏)‏ بفتح الكاف والمثناة الخفيفة وحكي تثقيلها‏:‏ ورق يخضب به كالآس من نبات ينبت في أصغر الصخور فيتدلى خيطانا لطافا، ومجتناه صعب ولذلك هو قليل، وقيل‏:‏ إنه يخلط بالوشمة، وقيل‏:‏ إنه الوشمة، وقيل‏:‏ هو النيل، وقيل‏:‏ هو حناء قريش وصبغه أصفر‏.‏

قوله في الرواية الثانية ‏(‏وقال دحيم‏)‏ هو عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، وصله الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكان أسن أصحابه أبو بكر‏)‏ أي الذين قدموا معه حينئذ وقبله كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى قنأ‏)‏ بفتح القاف والنون والهمزة أي اشتدت حمرتها، ستأتي زيادة في الكلام على خضاب الشعر في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَصْبَغُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ كَلْبٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ بَكْرٍ فَلَمَّا هَاجَرَ أَبُو بَكْرٍ طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا هَذَا الشَّاعِرُ الَّذِي قَالَ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ رَثَى كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ مِنْ الشِّيزَى تُزَيَّنُ بِالسَّنَامِ وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ مِنْ الْقَيْنَاتِ وَالشَّرْبِ الْكِرَامِ تُحَيِّينَا السَّلَامَةَ أُمُّ بَكْرٍ وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ يُحَدِّثُنَا الرَّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أبا بكر تزوج امرأة من كلب‏)‏ أى من بني كلب، وهو كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، ويدل عليه ما وقع في رواية الترمذي الحكيم من طريق الزبيدي عن الزهري في هذا الحديث ‏"‏ ثم من بني عوف ‏"‏ وأما الكلبي المشهور فهو من بني كلب بن وبرة بن تغلب بن قضاعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أم بكر‏)‏ لم أقف على اسمها، وكأنه كنيتها المذكورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما هاجر أبو بكر طلقها‏.‏

فتزوجها ابن عمها هذا الشاعر‏)‏ هو أبو بكر شداد بن الأسود بن عبد شمس بن مالك بن جعونة، ويقال له ابن شعوب بفتح المعجمة وضم المهملة وسكون الواو بعدها موحدة، قال ابن حبيب‏:‏ هي أمه وهي خزاعية، لكن سماه عمرو بن شمر، وأنشد له أشعارا كثيرة قالها في الكفر، قال‏:‏ ثم أسلم‏.‏

وذكر مثله ابن الأعرابي في ‏"‏ كتاب من نسب إلى أمه ‏"‏ وزعم أبو عبيدة أنه ارتد بعد إسلامه، حكاه عنه ابن هشام في ‏"‏ زوائد السيرة ‏"‏ والأول أولى‏.‏

وزاد الفاكهي في هذا الحديث من الوجه الذي أخرجه منه البخاري ‏"‏ قالت عائشة‏:‏ والله ما قال أبو بكر بيت شعر في الجاهلية ولا الإسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية ‏"‏ وهذا يضعف ما أخرجه الفاكهي أيضا من طريق عوف عن أبي القموص قال‏:‏ ‏"‏ شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم وقال هذه الأبيات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فغضب، فبلغ ذلك عمر فجاء فقال‏:‏ نعوذ بالله من غضب رسول الله، والله لا تلج رءوسنا بعد هذا أبدا ‏"‏ قال‏:‏ وكان أول من حرمها، فلهذا قد عارضه قول عائشة، وهي أعلم بشأن أبيها من غيرها‏.‏

وأبو القموص لم يدرك أبا بكر، فالعهدة على الواسطة، فلعله كان من الروافض، ودل حديث عائشة على أن لنسبة أبي بكر إلى ذلك أصلا وإن كان غير ثابت عنه، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رثى كفار قريش‏)‏ يعني يوم بدر لما قتلوا وألقاهم النبي صلى الله عليه وسلم في القليب، وهي البئر التي لم تطو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من الشيزى‏)‏ بكسر المعجمة وسكون التحتانية بعدها زاي مقصور، وهو شجر يتخذ منه الجفان والقصاع الخشب التي يعمل فيها الثريد‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ هي من شجر الجوز تسود بالدسم، والشيزى جمع شيز والشيز يغلظ حتى ينحت منه، فأراد بالشيزى ما يتخذ منها وبالجفنة صاحبها كأنه قال‏:‏ ماذا بالقليب من أصحاب الجفان الملأى بلحوم أسنمة الإبل، وكانوا يطلقون على الرجل المطعام ‏"‏ جفنة ‏"‏ لكثرة إطعامه الناس فيها‏.‏

وأغرب الداودي فقال‏:‏ الشيزي الجمال، قال لأن الإبل إذا سمنت تعظم أسنمتها ويعظم جمالها‏.‏

وغلطه ابن التين قال‏:‏ وإنما أراد أن الجفنة من الثريد تزين بالقطع اللحم من السنام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏القينات‏)‏ جمع قينة بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون هي المغنية، وتطلق أيضا على الأمة مطلقا‏.‏

‏"‏ والشرب ‏"‏ بفتح المعجمة وسكون الراء جمع شارب، وقيل‏:‏ هو اسم جمع، وجزم ابن التين بالأول فقال‏:‏ هو كمتجر وتاجر والمراد بهم الندامى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تحيينا‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ تحييني ‏"‏ بالإفراد، وقوله‏:‏ ‏"‏ فهل ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وهل لي ‏"‏ بالواو، وقوله‏:‏ ‏"‏ من سلام ‏"‏ أي من سلامة، وفيه قوة لمن قال‏:‏ المراد من السلام الدعاء بالسلامة أو الإخبار بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أصداء‏)‏ جمع صدى وهو ذكر البوم، وهام جمع هامة وهو الصدى أيضا وهو عطف تفسيري، وقيل الصدى الطائر الذي يطير بالليل، والهامة جمجمة الرأس وهي التي يخرج منها الصدى بزعمهم، وأراد الشاعر إنكار البعث بهذا الكلام كأنه يقول‏:‏ إذا صار الإنسان كهذا الطائر كيف يصير مرة أخرى إنسانا‏.‏

وقال أهل اللغة‏:‏ كان أهل الجاهلية يزعمون أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة فتزقو وتقول‏:‏ اسقوني اسقوني، وإذا أدرك بثأره طارت فذهبت، قال الشاعر‏:‏ إنك إلا تذر شتمي ومنقصتي أضربك حتى تقول الهامة اسقوني وقد أورد ابن هشام هذه الأبيات في ‏"‏ السيرة ‏"‏ بزيادة خمسة أبيات، ووقع عند الإسماعيلي من طريق أخرى عن ابن وهب، وعن عنبسة بن خالد أيضا، كلاهما عن يونس بالإسناد المذكور ‏"‏ أن عائشة كانت تدعو على من يقول إن أبا بكر قال القصيدة المذكورة ‏"‏ فذكر الحديث والشعر مطولا، وعند الترمذي الحكيم من طريق الزبيدي عن الزهري مثله وزاد ‏"‏ قالت عائشة فنحلها الناس أبا بكر الصديق من أجل امرأته أم بكر التي طلق، وإنما قائلها أبو بكر بن شعوب‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وابن شعوب المذكور هو الذي يقول فيه أبو سفيان‏:‏ ولو شئت نجتني كميت طمرة ولم أحمل النعماء لابن شعوب وكان حنظلة بن أبي عامر حمل يوم أحد على أبي سفيان فكاد أن يقتله، فحمل ابن شعوب على حنظلة من ورائه فقتله، فنجا أبو سفيان، فقال في ذلك أبياتا منها هذا البيت‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِأَقْدَامِ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ رَآنَا قَالَ اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ اثْنَانِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا

الشرح‏:‏

حديث أنس، تقدم شرحه في مناقب أبي بكر، ومعنى قوله‏:‏ ‏"‏ الله ثالثهما ‏"‏ أي معاونهما وناصرهما، وإلا فهو مع كل اثنين بعلمه كما قال‏:‏ ‏(‏ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا هو سادسهم‏)‏ الآية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ الْهِجْرَةِ فَقَالَ وَيْحَكَ إِنَّ الْهِجْرَةَ شَأْنُهَا شَدِيدٌ فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَتُعْطِي صَدَقَتَهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَهَلْ تَمْنَحُ مِنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَتَحْلُبُهَا يَوْمَ وُرُودِهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا

الشرح‏:‏

حديث أبي سعيد ‏"‏ جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الهجرة ‏"‏ الحديث، أورده من طريقين موصول ومعلق، والموصول أخرجه في كتاب الزكاة، والمعلق أخرجه في كتاب الهبة بالإسنادين المذكورين هنا، ومر شرحه في كتاب الزكاة‏.‏

والأعرابي ما عرفت اسمه، والهجرة المسئول عنها مفارقة دار الكفر إذ ذاك والتزام أحكام المهاجرين مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكأن ذلك وقع بعد فتح مكة لأنها كانت إذ ذاك فرض عين ثم نسخ ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا هجرة بعد الفتح ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ اعمل من وراء البحار ‏"‏ مبالغة في إعلامه بأن عمله لا يضيع في أي موضع كان، وقوله‏:‏ ‏"‏ لن يترك ‏"‏ بفتح التحتانية وكسر المثناة ثم راء وكاف، أي ينقصك‏.‏